روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | اللِّين.. والرِّفق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > اللِّين.. والرِّفق


  اللِّين.. والرِّفق
     عدد مرات المشاهدة: 6144        عدد مرات الإرسال: 0

إن التوازن في شخصية المسلم ليجمع الشدة والرحمة، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة، ما لم يقم ما يقتضي خلاف ذلك .

أما حين تنضب ينابيع العاطفة، فلابد من تطهير القلب من عوامل القسوة؛ لتنعكس صورة اللين على المعاملة والسلوك .

إن طول الزمن قد يخفف من رقة الشعور، وتطاول الأيام قد ينسي بعض القيم، وتقادم العهد قد يغير المشاعر القلبية، ما لم يتعهد المرء نفسه ويجلو قلبه، ليبقى حاضر الفكر، واعي القلب، يقظ الإحساس، ولأن اللين ظاهرة سلوكية تنبع عن قلب لين، فقد عاتب ربنا وعز وجل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حين رأى منهم تغيرا في القلوب، يقول الله تعالى:

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]. وحدث ابن مسعود فقال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ... إلا أربع سنين) وزاد في رواية (فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول: ما أحدثنا؟) فإن كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد احتاجوا إلى تلك اللفتة القلبية بعد أربع سنوات من إسلامهم، فكم تحتاج قلوبنا إلى تعهد وتزكية ؟!

وقسوة القلب قد تكون أحيانا نتيجة المعاصي، ومظهرًا من مظاهر غضب الله سبحانه وتعالى على العبد، ولذلك يقول مالك بن دينار: (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم.) .

وإن العيش في أعطاف النعمة ليجعل على القلب غشاوة، تشغل المرء بذاته، من همته، ولذلك رأى محمد بن كعب في الآية السابقة توجيها آخر فقال :

(كانت الصحابة بمكة مجدبين ،فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عما كانوا فيه فقست قلوبهم فوعظهم الله فأفاقوا)، ألا فلنتواص حتى نفيق ..

إن الانشغال بلغو الكلام وتتبع الهفوات يجفف منابع اللين في القلب، وتنعكس الآثار على صورة حدة في التعامل. جاء في موطأ الإمام مالك قوله: (بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى؛ فتقسو قلوبكم؛ فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، و انظروا فيها كأنكم عبيد، فإنما الناس رجلان: معافى ومبتلى .

فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية).

إن شخصية الداعية لتقتضي القدرة على التعامل مع الناس باللين. وقد تعجبت السيدة عائشة من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استأذن رجل بالدخول عليه، فنعته بقوله: ((بئس أخو العشيرة)) (فلما دخل ألان له الكلام) صحيح البخاري. وليس عجيبا أن يكون هذا شأن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القائل: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ...الحديث) ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، أوجزها له في صفات ذكر منها: (لين الكلام وبذل الطعام ...) (مسند أحمد) .

وإذا كان قصدنا الفوز برضا الله عز وجل، والنجاة من النار، فإن المسلم لينال باللين ما لا يناله بالغلظة والشدة، كما في الحديث: (حُرِّم على النار: كل هيّن ليّن سهل، قريب من الناس) صححه الألباني: صحيح الجامع 3135).

ويمكن أن يكون تكلف السلوكيات اللينة مدخلا إلى اكتساب اللين القلبي، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له: (إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم) حسنه الألباني: صحيح الجامع 1410) .

وكثيرا ما يحرش الشيطان في الصدور، حتى في لحظة القيام للصلاة، وتسوية الإمام للصفوف، بتأخير هذا وتقديم ذاك إلى أن يستقيم الصف، وقد كان من وصيته صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في الصلاة: (... ولينوا في أيدي إخوانكم ...) صححه الألباني) (صحيح الجامع 1187ورواه أبو داود). لأن إقامة الصفوف وسد الخلل تقتضيان الاستجابة وعدم المعاندة .

وليس المقصود باللين عدم إنكار المنكر، وإنما اللين في الأسلوب حيث يغني اللين ويحقق الغرض، وذلك باستنفاذ جميع الوسائل الممكنة التي تضمن الاستجابة، ولا تستعدي الآخرين، وراجع ـإن شئت ـحديث البخاري في قصة الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، كيف عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عددًا من الخيارات للتكفير عن ذنبه فقال له: (هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال :لا قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم تمر، فأعطاه للرجل، وقال له: (خذ هذا فتصدق به فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك.) (البخاري) .

فاللين صورة من صور الرحمة يضعها الله في قلب العبد، قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل: عمران:159].

والرفيق الرحيم أحق الناس برحمة الله عز وجل كما في الحديث: " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ".(صحيح الجامع 3522).

ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان أرحم الناس بالصبيان والعيال) (صحيح الجامع 4797) ونفى كمال الإيمان عمن لا يرحم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا) (صحيح الجامع 5444) .

وحتى الرحمة بالمخلوقات من أسباب استحقاق رحمة الله في الآخرة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رحم ولو ذبيحة عصفور، رحمه الله يوم القيامة) (حسنه الألباني) .

والعلاقات الأسرية مع الأهل وذوي الرحم، ينبغي أن يسودها الرفق واللين؛ للمحافظة على تماسك بنيان الأسرة المسلمة وصفاء أجوائها، كما في الحديث :

(إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق). رواه أحمد

والهين اللين ينسحب رفقه على كل صور حياته، التي تقتضي السماحة واللين في التعامل مع المؤمنين، حتى يحظى بمحبة الله سبحانه وتعالى (إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري. كما نحظى بعون الله عز وجل يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويرضاه، ويعين عليه ما لا يعين على العنف ...) .

وصورة الشديد الغليظ، الغاضب العنيف، صورة مشينة معيبة تنفر منها الطباع البشرية، بينما صورة السهل الرفيق، اللين اللطيف، صورة تزين صاحبها، وترتاح إليها النفوس، وتأنس إليها القلوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)

(صحيح الجامع 5654).

ولا ينفي كل ما مضى أن المؤمنين أشداء على الكفار رحماء بينهم، ولا أنهم يغضبون لله، كما أنهم يلينون لوجه الله عز وجل.

المصدر: موقع الشبكة الإسلامية